الجمعة، يونيو 14، 2013

بضاعة أتلفها الهوى

لابد للمبادئ ألا تتجزأ .... في الحقيقة هي لا تتجزأ .... المبادئ خطوط حادة محددة تضعها لنفسك لتسير عليها بعد إيمانك و اقتناعك بأنها التي ستوصلك الى هدفك
المبادئ انت تضعها لنفسك وتعلنها أو تسرها في نفسك تبعا لما إذا كانت متماشية مع المزاج العام للمجتمع و قدرتك على مواجهته ....فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو في الحقيقة مبدأ ...ولكن هل تستطيع أن تسوقه بين مجتمعك؟ ..... هل ستجد مما يجعلك مقبولا بين مجتمع أن يعرف من يتعاملون معك أنك تتبع مبدأ النفعية ..... أنك مصلحجي .... أن السرقة حلال إن كانت ستوصلك لغايتك
في فيلم "كتيبة الإعدام" كان مشهد "الأكتع" - ذلك المصلحجي الذي باع الفدائيين للإسرائيلين في مقابل أموال المرتبات – كان يراقب محلاته و شركاته بواسطة كاميرات المراقبة عندما شاهد زبون يسرق البضائع و يخبئها في ملابسه ....فما كان منه إلا أن ضحك و قال (سيبوه سيبوه) ... فهذا هو مبدأه ....ان استطعت أن تسرق فأفعل فالكل مستباح
هذا المبدأ الفاسد بين المجتمع قد يكون مبدأ تستطيع أن تعيش معه بعلانية في مجتمع آخر... وأقول تعيش معه لأن مبادئك تخصك فلا تستطيع أن تفرضها على أحد
كنت في الثانوية العامة ... ويا سلام على مذاكرة الثانوية العامة قرب الفجر و قرب الشباك كمان
وجنب الشباك يعني في قلب منطقتنا الشبه شعبية ...وان كنت اراها كانت تمثل مصر بطبقاتها – كما أصبح الحال في كل المناطق – فتجد المهندس مدير القطاع في شركته يسكن مجاورا لبائع البانجو ..... المهم كان جنب الشباك في ذلك الوقت المتأخر قهوة نطلق عليها (المخانة) ويطلق عليها روادها (النصبة)- و لم تفرق معهم تسميتنا لها فكان يستخدمون ايا من التسميتين – و في ذلك الهدوء الليلي يخترق آذانك حديث يبدو جاداً يسترعي انتباهي و كل حواسي و يجعلني اترك الثانوية العامة كأمر ثانوي في تلك اللحظة لأتابع الحديث من خلف (البلكونة)الأقرب للسمع و الأوضح للرؤية
كانت محاكمة ... يعرض الطرفان القضية في انتظار الحكم الفاصل من (أبو أحمد) ... وعلى خلفية صوت راديو المخانة العالي بعض الشيء تسمع إذاعة القرآن الكريم ممزوجا بتفاصيل القصة
منطقتي القريبة من طريق الشاحنات و محطة بنزين ومنافذ المدينة تمر بها شاحنة تحمل إطارات سيارات ..... ويسقط أحد الإطارات في غفلة من السائق و انتباه من اثنان يخلو الشارع من المارة الا هما
ينظر أحدهم إلى الآخر بتوجس ... ثم يعزم أمره ... ويتجه إلى الإطار .... ويلقي نظرة فاحصة على الآخر مرة ثانية .... ثم يتجه إلى (ماكينته) و ينطلق
في مساء اليوم التالي ..يأتي هذا الآخر ...ليطالب من أخذ الإطار بنصيبه ...فيرد عليه : (مالكش عندي حاجة) ...ويبدو أنه بعد تدخلات المحيطين و التذكير بحرمة العيش و الملح و اللقمة الحرام ....أن يتوجه الجميع للقول الفصل في الشرعية....... (أبو أحمد)
بعد استماع متأني مدقق من (أبو أحمد) لتفاصيل القصة .... ينظر إلى (الآخر) متسائلا: الكلام ده حصل بالصورة دي؟ ...فيجيبه (الآخر) بالإيجاب ... فيستند (أبو أحمد) إلى كرسيه مستعدا لإلقاء حكمه العادل متضمنا الحيثيات بعبارة تبدو حكيمة :"بحق الله بحق الله بحق الله .... طالما شافك بتاخدها ....يبقى حق الله في أبو قسم (يقصد قسمة الحصيلة بينهما)"
هل لديك مشكلة مع المبدأ؟ مع صوت إذاعة القرآن الكريم؟ ..أي من الحاضرين لم يكن لديه مشكلة على الإطلاق .... بل إنهم انفسهم يطبقون مبدأ (الحرامي بشيلته) على أنفسهم .... فحاول ان تشاهد – نصيحة ....لا تشارك – شاهد فقط لعب الكوتشينة على الفلوس – أو تجمل و قل على المشاريب – ولن ترى أحدا - وهو متأكد من وجود أكثر من ورقة لعب من خارج ما تم تقسيمه- لن تراه ينادي بعد الورق واكتشاف الأوراق الزائدة ..... (الحرامي بشيلته ولا مؤاخذة) ... لن يتهم أحدهم الآخر إلا متلبسا
ولو أني لست متسقا مع تلك المبادئ .... إلا أن ما يميزهم أنهم متسقون أنفسهم مع تلك المباديء ...حتى و لو على أنفسهم ... وغالبا ما يطلق على تلك المباديء (الأصول او العرف) ..فهي غير ملزمة إلا لمجتمعها
وتحدث المشاكل عندما تحاول تطبيق مبدأك الشخصي أو مبدأ مجتمعك على أشخاص أو مجتمعات أخرى ..... وهذا له حوار آخر ..... أما المصيبة ... فتحدث عندما لا تتسق أنت نفسك مع المبدأ ذاته .... فتطبقه على الآخرين .... ولا تطبقه أنت على نفسك .... وهنا تتجزأ المباديء
تتلقى المبدأ .... كزهرية ثمينة ... أو جلباب من ريحة أبوك الله يرحمه ... ثم تتحول إلى تاجر .... فتقتطع من الزهرية قطعة تبيعها بأغلى الأسعار..... وقطعة أخرى ترميها لينحني أحدهم أمامك ليلتقطها ..... وتمر أنت
سفير فلسطيني لدى إحدى الدول معلقا على دعوات الجهاد في سوريا و مرتزقة و ميليشيات عربية لنصرة الشعب السوري: يعني 65سنة
احتلال موجود ومحدش اتحرك للجهاد .... وعلشان لعبة مصالح دولية يقولوا سنة و شيعة و يجروا ع الجهاد .... ما المعابر و الأنفاق أقرب من تركيا و الله!!!!!
وتصبح المباديء تجارة رائجة عندما تتعلق بالعرض و الطلب .... فتصبح تجارة الدين و تجارة حقوق الإنسان تجارة عالمية ..تستخدمها حتى الدول... أو تستخدم تجار تجزئة لتقطيع البضاعة و توزيعها على "الزبون" المستهدف فيحصل أحدهم على تلك البضاعة بغالي الأثمان ...وتلقى البضاعة تارة أخرى على الأرض لتمرير مصلحة ما
تخرج علينا الدولة الفرنسية – ممثلة في برلمانها – بحق الدفاع عن الهوية الأوروبية .. أو كما قالها (أبو أحمد) "بحق الله" .... لتجرم لبس الحجاب في التجمعات العامة وتفرض غرامات مالية ضخمة .... ويقف متحديا – متسقا مع مبدأه – زاعما أنه لا يعرف أحد بصورة شخصية ممن يرتدون الحجاب ولكن ..انتصارا لمبدأ الحرية الشخصية و حرية المعتقد ...فإنه يتكفل بكل غرامة سيتم توقيعها بناء على هذا القانون الجائر حسب مبدأه .... كان هذا رجل أعمال ينتمي لحزب فرنسي ليبرالي .... ليصبح هذا القانون ..هو و العدم سواء

أما هذا الرجل الجليل .... فدعني لا أعرض بأسمه ...ولندعه السيد أحمد عبد الجواد .... رئيس اتحاد تجار العطارة .... الذي يعتذر عن بضاعته التي ساند بها أناس كان يظنهم ملائكة طيلة 20 عاما ثم اكتشف فجأة أنهم من حزب الشيطان .... فيسأله الباشكاتب: والبضاعة دي أسجلها إيه في الدفاتر يا سيد أحمد؟ فيجيبه ساخرا: سجلها .... "بضاعة أتلفها الهوى"