الجمعة، مارس 03، 2017

حكمت المحكمة

في 16 يناير من مستهل هذا العام حكمت المحكمة الإدارية العليا حكما في منطوقه يوقف تنفيذ و توقيع الحكومة المصرية على إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر و السعودية و في مضمونه يقول "أن جزيرتي تيران و صنافير مصريتين".
ليس الجدل السائد حول هتافات أن "الجزيرتين مصريتين" فقد إعتدنا طيلة السنوات الماضية الهتافات بالهوية منذ "أمه أمريكانية" و "إسلامية إسلامية" و "والله الجزيرتين سعودية". و قد يجمع الأخيرين كونهما هتافات ارتبطتا برفع أعلام في الشوراع ليسوا علم جمهورية مصر العربية.
في دولة غير الدولة كان لهذا السلوك -  برفع علم لدولة أخرى - عقاب قانوني انتصارا لسيادة الدولة و سيادة قانون العلم المتعارف عليه, و أثار في ذاكرتي هذا المنظر ما حدث لي في يوم 25 يناير 2011 داخل قسم شرطة المناخ في مدينتي - بورسعيد - من ضابط الشرطة المسمى عبد الحكيم لزميلنا المقبوض عليه معنا "أحمد مراد".
كان أحمد يسير معنا في مسيرتنا في شوارع بورسعيد و هو يلتف بعلم "مصر" و سط عدة أعلام قليلة ظلت مرفوعة كلها حتى في مواجهة المسيرة المضادة التي للمفارقة كانت ترفع صورة كبيرة لمبارك - فكل يرفع رمزا لليلاه - و للمفارقة أيضا كان ضابط الشرطة المصري "عبد الحكيم" هو من نزع علم مصر من حول "أحمد" و ألقاه بعيدا ليسقط علم مصر في أرض قسم الشرطة التابع للدولة على يد ضابط الشرطة الممثل لقانون الدولة.
عودا إلى حكم المحكمة, منذ اتخاذ مسار القضاء في مواجهة قرار سياسي و قد أثير جدلا مبدئيا بين أصدقاء لي. فقياسات القرار السياسي التي تستتبع منطق "فن تحقيق الممكن" و "ونسبيات المصلحة العامة" قد تتعارض أو تتقاطع مع مبادئ القياسات القانونية بين الصواب القاطع و الخطأ البائن؛ لذا فإن ما عناني منذ البداية هو محكمة الموضوع.
حكت المحكمة الإدارية العليا بناء على قدم لها من مستندات و وثائق و أيضا بناء على ما قدم من دفوع قانونية ببطلان شكلا من الأشكال غير القانونية. قد يقتل قاتل شخصا ما طعنا بالسكين فيموت هذا الشخص ولكن يثبت الطب الشرعي مثلا أن الميت قد أصيب بنوبة قلبية أثناء الطعن هي ما سببت الوفاة وليس الطعن. هكذا يهتم القانوني أكثر بتوصيف التهمة و شكلها كما يستتبعها قانونا. أما من يهتم بالشأن العام و السياسي فهما ينظران لموضوع القضية "ماذا أراد القاتل" و "أي طريق سلك لمبتغاه".
في رأيي الشخصي, كان للجهد المبذول من فريق العمل المطالب بوقف تنفيذ الإتفاقية الذي دأب على التقصي و التحقق في المستندات ذات العلاقة بالسيادة على الجزيرتين و تفنيدها و العمل عليها قانونيا الأثر الأعلى في منظوري للدرجة التي أمنح فيها لنفسي الحق أن أعطيهم درجة مساوية للفريق القانوني في مفاوضات طابا إن لم يكن أعلى.
ماذا يعني لك سياسيا أن يفشل المناط به من فريق ممثل للدولة - و المفترض أن الدولة لم تدخر جهدا لإنتقاء أفضل العناصر التي ستبذل كل نفيس لإعلاء قيمة و مصلحة مصر - في إحضار مستند واحد من تلك المستندات التي قدمت للمحكمة في مقابل كل المستندات التي قدمتها الدولة و سعاتها لأكشاك الإعلام بكافة أنواعه لإثبات أن الجزيرتين "سعودتين" تطوعا منا لخدمة مصالح دولة أخرى تصادف أنها "السعودية"؟  هل في أيا من السيناريوهات المفترضة بعد الحكم - والتي منها لجوء السعودية للتحكيم الدولي- ستأتمن هيئة قضايا الدولة لتمثيل مصر؟ أم من سئلوا عن تقديم ورقة واحدة تثبت مصرية إحدى الجزيرتين أوكلاهما فأجابوا "مفيش"؟ أم سعاتهم؟ شخصيا لن أأتمن إلا هيئة منتقاة من 179 اسم حكمت لهم تلك المحكمة بناء على الموضوع.
حكمت المحكمة بناء على الموضوع و المستندات وليس بناء على حق الشهيد اللي مات, فمن وجهة نظري المعلنة منذ 6 سنوات لم يمت الشهيد من أجل القصاص من قاتله أو من أجل حتى لقب شهيد و ليس بالطبع من أجل حفنة دولارات و وجبة كنتاكي.
مات من مات من أبطالنا في القوات المسلحة و أبطالنا من الفدائيين المدنيين و أبريائنا على مر العصور هدفا نحو سيادة الوطن على أراضيه و تحقيق الأمان و الأمن لأبنائه و صناعة مستقبل أفضل في الغد القريب ولا يختلف عنهم نهائيا من مات من المتظاهرين السلميين الأبرياء. لن يهتم كثيرا شهيد من الشهداء بالقصاص ممن قتله من الإسرائيليين  أو الإنجليز أو الشرطة المصرية قبل و بعد و أثناء ثورة 1919 و إلى الآن أو الدواعش و "التكفيرين" أكثر من أن يهتم - و نحن أولى بذلك - بتحقيق هدفه من سيادة مصر على أراضيها و "قراراتها" و تحقيق الأمن و الأمان لأبنائها على أراضيها و "شبه جزيرتها" و صناعة مستقبل أفضل في القريب العاجل من "مصادرنا المعلومة" التي لا تجعلنا "فقرا أوي أوي"